– نعمان السرياني –
وكان الرجل جبار بأس 2 ملوك 5
ما من شك بأن قصّة نعمان تُعد من أروع وأقدم قصص الحب الالهي في العهد القديم،
فاذا كان اليهودي يعتقد أن الله قد ميّزه وفضّله على الأممي،
فان قصص أيوب وملكي صادق وراحاب وراعوث ونعمان السرياني يمكن أن تخفض
كبرياءه الى حد بعيد، وتبيّن أن الله لليهودي وللاممي على حد سواء.
فاذا قسا الله على نعمان بالالم فليس ذلك لانه يبغضه
بل لانه يحبه ويدفعه في الطريق الصحيح
الى الصحة والسلامة.
لقد ذهب نعمان يبحث عن خلاص الجسد.
لكن الله في محبته كان يهتم بخلاص أبدي لنفسه أيضا.
لقد ذهب الرجل وثنيّا وعاد مؤمنا،
ذهب يبحث عن السلامة وعاد يتمتّع بالسلامة والسلام معا.
1-نعمان والحاجة العظمى :
كان نعمان حسب الوصف الكتابي، رجلا عظيما كان قائد الجيش المنتصر.
وهذا الرجل كان عظيما عند سيده وملكه الملك الارامي
اذ كان نعمان صاحب الشخصيّة القويّة والشجاعة وأصالة الرأي وصواب المشورة.
والظاهر من الرواية الكتابيّة انه كان الرجل الذي لا يملك أي انسان
– إلا – أن يحبه، فهو لم يكن محبوبا من العظماء وحدهم،
بل ومن عامة الناس أيضا، وحتى الفتاة الاسرائليّة الصغيرة المسبيّة
كانت عواطفها نحوى شفائه من المرض 2 مل 5 :2 – 3،
وخدمه الذين ساروا معه في الرحلة الى اسرائيل يدعونه
" يا أبانا " 2 مل 5 : 13 ،
ويلحون عليه في اطاعة طريق الشفاء ولكن ،،
كان الرجل مصابا بالبرص
2 - نعمان والخلاص العظيم:
ففي رحلة نعمان للوصول الى الخلاص،
نلتقي أول الأمر بفتاة صغيرة مسبيّة، سباها الاراميون في واحدة من غزواتهم،
وأخذوها وباعوها في سوق العبيد، وكانت بين يديّ امرأة نعمان.
ونحن لا نستطيع أن نتصوّر مدى ما عانت الصغيرة من متاعب أو آلام،
فهي حرّة، تحوّلت الى أمة ( أي عبدة ) وهي صغيرة،
ومهما كان البيت الذي بيعت له مترفّقا بها،
فهي على أية حال غريبة، وأفكارها تتجه الى بيتها القديم، ووطنها الذي
وان لم يكن بعيدا عنها في المسافات، الا أنه يختلف تمام الاختلاف،
عن البلد الوثني الذي أُجبرت على البقاء فيه،
على أن هناك شيئا نبيلا في هذه الصغيرة، ارتفع بها فوق كل حقد،
اذ أحسّت أعمق العطف على الرجل التعيس الابرص،
وأشارة باصبعها الى أوّل الطريق الذي يسلكه في سبيله الى الخلاص من علّته القاسية،
على أية حال، ان هذه الفتاة الأسيرة الصغيرة تعطي درسا من أجمل الدروس،
ان الله يعطي الفرصة أمام الصغير والمتواضع واللا شيء ليؤدي رسالته العظيمة.
-ومن الوجه الآخر، أنه من المثمر حقا أن نضع هذا الصورة في مواجهة شخصين
من اهم الشخصيات، تصرّف كلاهما بكيفية عكسيّة كان من الممكن أن تفسد النتيجة
التي سعت اليها هذه الصغيرة، وكان هذان الشخصان هما ملك آرام، وملك اسرائيل،
فملك آرام كان يعتقد مثل نعمان أن الخلاص يمكن أن يُشرى،
ولم يتردد أن يسخو في العطاء، فهو يجهّز المريض بهديّة تصل الى ما يفوق الخيال،
وأتعاب الطبيب مهما ارتفعت، فهي لا شيء ازاء سلامة نعمان.
أما ملك اسرائيل ابن الملك آخاب وايزابل الشريرة،
فان لغة الخلاص غريبة على ذهنه، فهو يشق ثيابه،
لأن كتاب ملك آرام لا يعدو، في تصوّره، أكثر من طريق للتحرّش به، ومحاربته.
فان لغة الدين لا شأن له بها.
3-طريق الخلاص
واذا انتهينا الى نعمان نفسه وهو يسير في طريق الخلاص،
فاننا نستطيع التعرّف على موقفه من خلال عبارتين قالهما:
" هوذا قلتُ انه يخرج اليّ ويقف ويدعو باسم الرب الهه
ويردد يده فوق الموضع فيشفي الأبرص " .
"هوذا قد عرفت انه ليس اله في كل الأرض إلا في اسرائيل "
2 مل 5 : 11 و15 .
ولقد أدرك نعمان أن الخلاص لا يمكن أن يكون بمجرّد ظنّه.
وكان لا بد لاليشع أن يلقن نعمان أهم درس يحتاج اليه،
وهو أن الخلاص لا يمكن أن تناله إلا النفس الوديعة المتّضعة.
وأكثر من هذا وأعظم جدا، ان اليشع يريد أن يواجه نعمان بالله دون وسيط،
لقد سافر نعمان من آرام الى اسرائيل بحثا عن الوسيط،
وأراد اليشع أن يختفي الوسيط من الطريق ليظهر الله.
ولو أنه ظهر من الابتداء، لتعلّقت عينا نعمان به ولما عرف الله.
واختفى اليشع.
واكتشف نعمان ما لم يخطر على باله قط،
عندما انفرد بنفسه أمام اله اسرائيل:
" ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء"
رو 11 : 33 لقد
رتّب الله خلاص نعمان السرياني على الصورة التالية:
أولا –
الخلاص مجّاني إذ أن الله لا يعطي عطاياه بثمن أو مقابل،
يعطي الخلاص مجّانا.
ثانيا –
لا يعطي الخلاص إلا للمتضعين التاركين كلّ كبرياء.
ثالثا –
ان خلاص الروح عند الرب أهم وأسمى من خلاص الجسد.
كان كل هم نعمان أن يعود خاليا من البرص،
ولكن الله أعطاه ما هو أهم، إذ خّلّصه من الخطيّة.
لقد ذهب الى اسرائيل ليتعامل مع الله في " الجلد "
وكان الله يقصد أن يصل الى " القلب ".
ووصل الى أعماق قلبه،
لقد أعطاه الله جلد الصبي الصغير
2 مل 5 : 14 ،
وأعطاه أيضا قلب الصغير الوديع الشاكر،
فهو إذ يرجع من الأردن الى بيت اليشع وقف أمامه ويراه للمرّة الاولى،
ويهتف -- لا – لاليشع، بل لله الذي له كل المجد:
" هوذا قد عرفت أن ليس اله في كلّ الارض إلا في اسرائيل".
وحمل الرجل من تراب اسرائيل ما يراه – تبرا – 2 مل 5 : 17 ،
إذ أقام مذبحا للرب، وعاش مؤمنا، أو كما قال عنه سيدنا المبارك:
" وبُرص كثيرون كانو في اسرائيل في زمان اليشع النبي
ولم يطهر واحد منهم إلا نعمان السرياني لو 4 : 27
وكان الدرس الرابع والاخير:
ان الهئ ليس لليهود فقط، بل للأمم أيضا، وكما قال بطرس في بيت كرنيليوس:
" بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل محابات الوجوه،
بل في كلّ أمّة الذي يتقيه ويصنع البرّ --
أي كل من يتبرر بدم الرب يسوع -- مقبول عنده".
أع 10 : 34 – 35 .