لَيْسَ لَكِ اللَيلُ
كنتُ أرسم في ذهني صورة لها،
هي لن تجمد في مكانها،
بل ستجمع كل الحدَثاتِ وعذارى وفتيات الضيعة،
ولن تنقطع عن الشكوى والتذمر المستمر،
هي سوف تعتزم أنْ تتحدث وقتا طويلا،
وتفتح الباب على مصراعيه،
حتى تقف على السبب،
وتعرف الفتاة التي قدّر لها أنْ تستعبد قلبي،
والقوة التي استطاعت أنْ تغير حياتي على هذا النحو،
والقيود التي شلت يدي،
لكي تضع هذه الحقيقة ماثلة أمام الناس،
صغارا كانوا أم كبارا.
ستخبر كل واحدة على حدى.
فعندما تثور يتدفق الكلام من فيها،
تقول أشياء بلا رويّة،
لن تنتهي لهجتها المسترسلة في رتابة،
ولن ينقطع التكرار الذي يتخللها.
هي كثيرة القيل والقال،
ولها كلمة الفصل في الموضوع،
سوف تقول بنبرة لا تخلو من جديّة وحزم ما بعده حزم وعزم شديد لا يلين:
" أعيدوا لابني في الحال، سلامه،
وقلبه المغتصب.
أحسنوا لي صنعا،
تنحوا عن سبيله،
لعل شيئا ما قد روعه في الظلام،
دعوه يسلك طريقه، فهو صغير،
هو في وداعة الحمل،
فالكلمات تقف في حلقه.
ولا يعرف أينَ تنتهي أفكاره.
حياته لا تستحق كل هذا الصراع،
فهو يفتقر إلى التجربة،
وجهه يتضرج، أو يشتد شحوبا عندما يرى فتاة.
هو مثل إبرة في كومة قش،
هو لا يدرك أنّ في الأمر شرا مستطيرا،
هو لا يتنبه إلى أمور كثيرة تجري من حوله،
فيسير في النور من دون أنْ يتخبط بالظلام.
هو لا يعرف كيف يتدبر الأمر.
لا يفقه أيّ معنى للحبّ،
كيف يدور في خلده أمر كهذا ؟
هو لا يعرف كيف يصبّ الزيت على نار الحبّ.
هو لا يعرف لوعة الحبّ ولا حرقته، ونيره الذي يلوي الأعناق.
هو لم يختبر آثاره القاتلة قط.
هو يدور على عاقبيه،
يضع قدمه في غير موضعها.
هو يضع الرسن في عنقه.
لا يميّز بين الغثّ والسمين.
إنه لا يزال فتى غرّا يافعا صغيرا،
لا يضع الفعل موضع القول.
هو اعتاد الانطواء على نفسه،
وأفكاره تتبدل بين فينة وأخرى.
هو يغمض عينيه حين يجري.
هو لا يعي كلمة الحبّ جيّدا.
هو لا يقوى على الإبحار وسط أمواج الحياة المتلاطمة.
هو يدفع بمركبه نحو الصخور.
لن يركب الموج،
لن يصارع التيار !
ولن تستطيع المجاذيف وحدها أنْ تبلغ الشاطئ البعيد.
والغد غامض في عينيه.
أجل الخيل أعرف بفرسانها.
وإنّ ما يطلبه ليس سوى الجنون.
لا، لن أزوّجه، ولو أطبقت السماء على الأرض.
لن أدع زعاف الأفعى يقتل تنينا.
لقد نذرتُ وحيدي لإله آبائنا نذيراً ".
حينئذ ليس أمامي أي اختيار سوى الاعتراف المذل،
وأنْ أقرع ساقي للأمر.
إنّها حقّا ستدقّ إسفينا بين مجامع قلبي وحبّي.