من دون إرادة الله، لا نمرض ولا نموت
من الرّسالة الثّلاثين للشيخ يوسف الهدوئيّ
اسمع هذه القصّة:
مرّة جاء إلينا رجل سويسري، ترهّب منذ سنوات.
كان يعاني من ثلاثة أمراض رهيبة غير قابلة للشفاء.
وكان قد أنفق ثروة على الأدوية لأنه كان رجلاً غنياً.
وإن أحد الأشخاص أشار عليه بأن يأتي إليّ ويكشف لي أفكاره.
شعرت بالأسى لأجله. قلت له انه سيستعيد عافيته للحال لو آمن، فقط،
بأن الله قادر على شفائه. في كلّ حال، لو أردت أن أكتب القصّة
كلّها لأخبر عن العقبات الّتي واجهتها لإقناعه، لكان عليّ أن أكتب أربع صفحات
لأنه لم يشأ أن يغادر ولا أن يؤمن، إلى أن تدخّل الله أخيراً. إذ سمع الرّجل بوضوح
صوتاً يقول له
"لماذا لا تسمع وتُشفى؟"
وعلى هذا النّحو نجا.
طلبتُ منه أن يتناول من الطّعام عكس ما قيل له ويترك كلّ شيء لله
طارحاً معرفته جانباً وسالكاً في الإيمان.
كان يقول إنه سيموت لو فعل ذلك. طلبت منه أن يأكل مرّة في اليوم بدل عشر مرّات
كما كان يفعل. وكان كافياً لله أن يمتحنه ثلاثة أيام.
صلّيت من أجله بحرارة.
ثم، في اللّيل، رأيت، وأنا نائم، نسرَين مخيفَين قبضا عليه ليفترساه،
وكانت هناك أفعى تلتفّ، بإحكام، حول عنقه.
كان يصرخ إليّ لأخلّصه.
فتصارعت والنّسرَين والأفعى وقتلتهم، ثم استفقت!!
بعد ذلك جاءني الرّجل وقال لي:
"لقد تعافيت بالكامل وعدتُ كما وُلدتُ!"
والحق أنّ لحمه تجدّد وصار كلحم الطّفل.
كانت في حوزته أدوية وعلبتان من الحقن فقلت له أن يلقي بها من فوق الجرف
على الصّخور ففعل.
من ذلك الوقت عاش معافى وكان يأكل مرّة واحدة في اليوم.
أترى ما يفعله الإيمان؟
لا تظنّ أنّي أنا الّذي فعلتُ ذلك.
كلا لست على مثل هذه القامة الرّوحيّة. إنّما الإيمان هو الّذي له قوّة على صنع ذلك.
دونك قصّة أخرى.
مرّة كتبَتْ إليّ راهبة تقول إنها عليلة وستموت ما لم تُجرَ لها عملية جراحية.
رددت على رسالتها قائلاً لها العكس تماماً.
فعادت وكتبت تقول إن الطّبيب أعلمها أنّها ستموت،
بعد حين، إن لم تُجرَ لها العملية.
فعدت وكرّرت عليها الطّلب:
"آمني ودَعِي الأمر لله. فَضّلي الموت".
ولم يمض عليها وقت طويل حتّى وردت منها رسالة تقول ان العلّة زالت.
أترى؟
لقد خبرت هذا الأمر آلاف المرّات.
حين تضعُ الموت نصب عينيك وتنتظره، كلّ لحظة، يهرب منك.
وحين يستحوذ عليك الخوف منه يطاردك باستمرار.
لقد واريت الثّرى ثلاثة رجال أصيبوا بالسّل وفيّ رجاء أن ألتقط،
أنا نفسي، المرض. وبعد أن عرّيتُ جثّة أحدهم أخذت ثيابه ولبستها،
فما كان من الموت إلا أن هرب مني إلى الّذين يخافون منه.
لقد كنت عليلاً كلّ حياتي. لم يسبق لي أن تلقّيت علاجاً. وأنا آكل، بعناد، ما لا يناسبني.
ومع ذلك لا يلوح الموت في الأفق.
أكتبُ إليك هذا لأنك تحبّ الكمال.
النّاس في العالم لا يخطأون ان عاشوا بحسب المعرفة البشريّة،
لأنهم لا يلتمسون طريقاً آخر غير الّذي يعرفون.
ما أحاول أن أقوله، إنه من دون إرادة الله، لا نمرض ولا نموت.
لذا ابتعدي عنا بعيداً يا قلّة الإيمان!