تهمّ مشكلة الأفكار الأثيمة كل مؤمن من وقت لآخر. فلو تعذب الرجل أو المرأة بصورة متكررة من بلاء المشاعر أو الصور غير المرغوب فيها فسوف تغدو هذه التجربة عبئا متميزا على الشخص. فالأفكار عموما تسلط ضغطا على الشخص لكي تجعله يجسدها على أرض الواقع، لكنها تصبح لعنة لو كانت فكرة شريرة. وأنا أعرف عن الكثير من الناس من الذين كانوا يضطربون نفسيا من جراء شهوة أو فكرة شريرة تنتابهم، لكنهم كانوا يفضلون الموت على اقترافها وتجسيدها على أرض الواقع - لكن مع ذلك، يبدو أن مثل هذه العزيمة ليست في مقدورها أن تجنّبهم الصراع الروحي؛ فتراهم وكأنهم ملاحقين من قِبل الفكرة. وقد تكون هذه الأفكار عند البعض أفكار حسد أو حَمْل ضغينة في الصدر على أحد أو مشاعر شكوك وعدم ثقة بأحد الأشخاص؛ لكن قد تكون عند البعض الآخر أفكار الخيال الجنسي؛ وقد تكون عند غيرهم مشاعر حقد وكراهية أو تجديف على الله أو حتى أفكار قتل.
ولا أظن أن هناك من هو قادر على تفسير ما يجري في قلبه أو قلبها تفسيرا كاملا ودقيقا. فالله وحده عالم بحالة نفس كل إنسان، لكننا من ناحية أخرى نعلم علم اليقين وفقا للإنجيل بأنه: "مِنَ الْقَلْبِ تَنْبُعُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ،" (متى 15: 19) ويقول الإنجيل أيضا: "هنيئًا لأنقياءِ القُلوبِ،" (متى 5: وتُعتبر هذه الكلمات البسيطة للرب يسوع أساسا لفهم هذا الموضوع.
لقد رأيت من خلال خدمتي الرعوية في تقديم المشورة لأبناء مجتمع كنيستي أن الكثير من الرجال والنساء كانوا يخشون الاعتراف بأنهم يصارعون الأفكار غير المرغوبة فيها. فكانوا يظنون أنهم الوحيدون الذين قد ابتلوا بهذا الأمر. لكن بالحقيقة، نحن البشر كلنا لدينا طبيعة شريرة بدرجة أو بأخرى. ففي حياتنا قد نستسلم كلنا من وقت لآخر للشيطان الذي هو ليس فكرة نظرية بل قوة شريرة حقيقية يهاجم كل إنسان في أشد نقاط ضعفه أو ضعفها. وبمجرد أن يحظى الشيطان بمكان في قلوبنا، فسوف يؤدي الشر المتجذّر هناك إلى كلمات شريرة، والتي سوف تؤدي بدورها إلى أفعال شريرة.
وقد ترعرعت أنا شخصيا في ألمانيا في العشرينيات، وقد سمعت تصريحات بغيضة بحق اليهود، لاسيما من دار الاستراحة الذي كان يقابل منزل أهلي هناك. وقد تجاهل معظم سكان القرية الخطورة الكامنة في ظاهرة معاداة السامية (أو معاداة اليهود)، لكن احتج والدي عليها احتجاجا عنيفا، وقال:
ربما يقتصر الأمر الآن على كلام شرير، لكنه سوف يؤدي لاحقا إلى أفعال شريرة. وسوف يقوم الناس فعلا في يوم من الأيام بتطبيق ما يقولونه.
وهذا ما حصل فعلا.
وتنتاب بعض الناس أفكار شريرة بصفة مستمرة بحيث تراهم يعيشون في حال لا يمكننا أن نطلق عليه سوى كلمة "عذاب". لكن ينبغي أيضا على هؤلاء أن يثقوا بأنه في مقدور الله أن يرى ما في أعماق قلب الإنسان. ثم إن الله يعلم بالتأكيد بأنه على الرغم من اضطراب مخيلتنا إلا أن الفؤاد لا يبغي أفكارا شريرة ثقيلة الأعباء. ولو كنا ما نزال غير متأكدين من ذلك بالرغم مما جاء أعلاه، فيمكننا أن نستمد التعزية من كلام المتصوّف الألماني ايكهارت Eckhart الذي عاش في القرن الميلادي الثالث عشر، فقد كتب:
لو أردتَ أن تتأجَّج حياتك بمحبة الله فيجب أن تشتاق إلى الله. ولو لم تحس لحد الآن بهذا الاشتياق، فيجب أن تشتاق إلى ذاك الاشتياق.
من الواضح أن أي اشتياق لدى الإنسان إلى الحياة الشريفة العفيفة هو علامة على بداية عمل الله في قلب الإنسان حتى لو كان هذا الاشتياق في أوله أو لم تكن معالمه واضحة بعد.
هناك طبعا فرق شاسع بين الاستمتاع عمدا بالأفكار الشريرة والجهاد ضدها. وقد قدمتُ المشورة إلى أشخاص كانوا يشعرون بأن الأفكار أو الشهوات غير المرغوب فيها كانت تلاحقهم بشدة، بحيث قالوا لي أنهم على استعداد لأن يسيروا الكرة الأرضية كلها إذا استطاعوا ذلك لمجرد أن يتحرروا منها. وهم على استعداد لأن يقدموا كل شيء في سبيل الحصول على سلام الفكر وعلى قلب عفيف نظيف.
إن مثل هذا التصميم جيد، لكن من الضروري أن ندرك في الوقت نفسه أننا لا يمكننا تحرير أنفسنا بقوتنا البشرية. لأن الصراع بين الخير والشر هو ليس صراعا محصورا "في الذهن،" لكنه معركة على صعيد الكون بين الروح القدس وبين الخطيئة، التي وصفها القديس بولس الرسول بأنها:
شريعَةٍ ثانِيَةٍ في أعضائي تُقاوِمُ الشَّريعةَ الّتي يُقِرُّها عَقلي وتَجعَلُني أسيرًا لِشريعةِ الخَطيئَةِ، (رومة 7: 23).
ويتطلب الفوز بهذه المعركة الإيمان بالرب يسوع المسيح، الذي وعدنا بالنصرة عندما قال لنا:
فأينَما اَجتمعَ اَثنانِ أو ثلاثَةٌ باَسمي، كُنتُ هُناكَ بَينَهُم. (متى 18: 20)
ولا يؤمن الكثير من المسيحيين بواقع وحقيقة هذه المعركة، دع عنك واقع الشرّ. فلن ينفعهم هذا المقال شيئا. لكن هذا المقال هو للذين. قد عرفوا الخطيئة واقترفوها وتلوثوا بها، ويسعون جاهدين للتحرر من أعبائها، ويشتاقون إلى عفة القلب.