+ من أحد الفصح وحتى خميس الصعود ،
يصافح المسيحيون الأرثوذكسيون بعضهم بعضاً بهتاف
"المسيح قام"..." حقاً قام" .
وتبقى الأبواب الملوكية في ايقونسطاسات الكنائس مفتوحة،
علامة على ان المسيح قد فتح بقيامته أبواب السموات.
ومنح الجميع إمكانية الوصول الى الله.
خلال اسبوع التجديدات لا يوجد صوم ،
وحسب التقليد السنوي لا نسجد في الكنيسة.
وتُـطلق الكنـيسة عــلى هذا الأسبوع "أسبوع التجديدات"،
ذلك أنّها أدركت أنّ السيـّد المسيـح بقيامته من بيـن الأموات
قد أَدخلنا في عهد جـديد قوامه الحياة الأبديّة في حضرة الله الدائمة.
والكنيسة لفرحها العظيم بهذا العيد لم تـكتـفِ بـحصر العيـد في يوم واحد،
لذلـك قرّرت جعـل يـوم العيد سبعـة أيـّام تـنـتهي بـأحـد القدّيـس تـوما،
بـل ربّما أربعين يوما تنتهي بعيد الصعود الإلهيّ.
وهذا ما نلمسه في الصلوات العباديّة التي تجد سندها في الكتاب المقدّس
بـعهديـه القـديـم والجديـد.
لم تـرَ الكـنيسة فـي قيـامـة المسيـح سوى "خـَلْق جديـد"
اكتمل به الخَلْق الأوّل، خَلْق الجَدّين الأوّلين.
كان لا بدّ من قيامة المسيح حتّى يأخذ الخَلْق الأوّل ملء معناه كما شاءه الله في البدء.
اعتبرت الكنيسة في نصوصها العباديّة أنّ حَدَثَ القيامة قد جدّد الطبيعة البشريّة،
وأتاح لها مجدّداً الترقّي إلى المثال الأصليّ الذي خُلقت عليه، فتقول:
"أيّها المسيح الإله نُمجّد قيامتك ذات الثلاثة الأيّام،
لأنّك بها أيّها القادر على كلّ شيء جدّدت طبيعة البشر المنفسدة،
وأوضحت لنا المصعد إلى السماء بما أنّك صالح وحدك ومحبّ البشر"
(غروب الثلاثاء الجديد).
القيامة فتحت أبواب الملكوت بعد أن أغلقتها خطيئة الإنسان وعصيانه وصايا الله وتدبيرَه.
وهذا ما تؤكّده الكنيسة ثانيةً في عيد الصعود حيث تقول في إحدى قطع صلاة الغروب:
"أيّها الإله، لقد جَدّدت في ذاتك طبيعة آدم (أي الإنسان) الهابطة إلى أسافل الأرض،
وأصعدتها اليوم فوق كلّ رئاسة وسلطة. لأنّك، لِحُبّك إيّاها، أجلسْتَها معك
(في ملكوتك. لا عجب أن تؤكّد الصلوات الكنسيّة المختصّة بأسبوع التجديدات
أنّ المسيح قد جدّد الخليقة أجمع، ليس فقط تلك التي أتت بعد تجسّده،
بل أيضاً تلك التي عاشت قبل تجسّده. فمفاعيل القيامة تشمل البشريّة
كلّها منذ الجدّين الأوّلين إلى اليوم الأخير.
ففي غروب الثلاثاء الجديد ترنّم الكنيسة القطعة الآتية:
"يا ربّ لمّا رُفعتَ على الصليب مَحَوْتَ لعنتنا الجَدّيّة،
ولمّا انحدرتَ إلى الجحيم أعتقتَ المُقيّدين منذ الدهر،
ومنحتَ الجنس البشريّ عدم الفساد.
فلذلك نسبّح ممجّدين قيامتك المخلّصة الصانعة الحياة".
هذه القطعة تُذكّرنا بالأيقونة الأرثوذكسيّة التي تُمثّل نزول الربّ يسوع إلى الجحيم،
حيث نرى المسيح مُقيماً معه الأبوين الأوّلين آدم وحواء،
إشارةً إلى فداء المسيح الذي شمل كلّ الخليقة.
لعلّ الرسول بولس هو أوّل مَن تحدّث عن القيامة بكونها خَلْقاً جديداً، فهو يقول:
"إنْ كان أحد في المسيح، فهو خليقة جديدة. فالقديم قد اضمحلّ، وكلّ شيء قد تجدّد"
(كورنثوس الثانية 6: 17).
وهو يكرّر هذا الأمر في فقرات عدّة من رسائله،
ويبني عليه تعليمه اللاهوتيّ. فالمعموديّة، بالنسبة إليه،
ليست سوى "الحياة الجديدة" التي أخذت جدّتها من قيامة الربّ يسوع:
"فإنّنا - بالمعموديّة - نتّحد به في قيامته.
ونحن نعلم أنّ الإنسان القديم فينا صُلب مع المسيح" (رومية 6: 4-5)،
المعموديّة تُعيد خلقنا إنساناً جديداً على مثال المسيح القائم من بين الأموات،
لذلك كان الموسم الأفضل للمعموديّة هو زمن الفصح المقدّس.
أمّا هذا جميعه فيتأسّس على كون المسيح هو الإنسان الجديد
"بكْر مَن قام من بين الأموات لتكون له الأوّليّة في كلّ شيء"
(كولوسي 1: 18).
المسيح، إذًا، هو في الوقت عينه مبدأ الخَلْق وغايته الأخيرة.
لذلك يقول الرسول بولس:
"به وله خُلق كل شيء.
كان قبل كلّ شيء، وفيه يتكوّن كلّ شيء"
(كولوسي 1: 16-17).
إنّ لفظ "به" يعني أنّه المبدأ، ولفظ "إليه" يعني أنّه الغاية.
ونحن نصبح خلقًا جديدًا لأنّنا منه نستقي الحياة الجديدة:
"فنحن إنّما لنا إله واحد، الآب، الذي منه كلّ شيء ونحن إليه،
وربّ واحد يسوع المسيح، الذي به كلّ شيء ونحن به"
(كورنثوس الأولى 8: 6).
هنا يُعلن بولس إيمانه بالله الآب الخالق كلّ شيء،
وإيمانه بالابن الذي به تمّ الخلق.
أمّا عبارة "فنحن به" فتعني أنّنا به افتُدينا وتقدّسنا وأصبحنا خليقة جديدة.
"هاأنذا أصنع كلّ شيء جديدًا" قال الجالس على العرش،
أي الآب (رؤيا يوحنّا 21 : 5).
هنا يعلن الله تجديد خليقته، "لأنّ العالم القديم قد زال" (رؤيا 21: 4).
المسيح دشّن عالمًا جديدًا مرّة واحدة وإلى الأبد،
عبر تـجسّده وتغلّبه على الموت وقيامته. هو نفسه،
بحسب إحـدى ترنيمات الكنيسة،
"ظهر متأنسًا كي يُجدّد إبداع صورتـه المـنفسدة".
الإنسان شوّه صورة الله التي خُلق عـليها،
فكان لا بدّ لصانع الصورة من أن يُعيد صُنْعها ث ثـانـيةً.
وهذا تحقـّق عبـر عـمل الربّ الخلاصيّ،
وما عـلينا إنْ أردنـا الحياة سوى أن نتحوّل إلى عجينة بين يدي الربّ
يـصنعها خـليقـة جـديـدة تـحيـا بـه ومـعـه إلـى الأبـد.
يتصرّف المسيحيّون، في أسبوع التجديدات، كأنّ القيامة العامّة حصلت فعلاً.
هم لا ينتظرونها كما ينتظرون حدثًا لم يحصل بعد.
هم يدركون أنّ قيامة المسيح قد أنهت الزمن، لذلك بات الأسبوع كلّه يومًا واحدًا.
هم يحيون منذ اليوم في الملكوت حيث لا حاجة إلى أوقات وأيّام وليال.
زمنهم هو زمن الله.
أقامهم المسيح من بين الأموات، وأجلسهم معه في مجده.